أرض الزيتون

أرض الزيتون

لم يكد أبو فراس يفتح عينيه حتى رأى النار وهي تلتهم أشجار الزيتون وتفترس أشجار البرتقال وكروم العنب , دمعت عيناه ... ثم عاد بفكره أربعون عاما للوراء حينما خطت قدماه هذه الأرض لأول مرة , تذكر والده وهو يحتضر وقسم أرضه ووزعها على أبنائه وبناته بشرع الله وقل لهم : أبنائي وبناتي إن هذه الأرض أمانة بين أيديكم فقد ورثتاها عن آبائنا وها نحن نورثها لأبنائنا ولكنني أرجوكم أن تصونوا هذه الأرض فهي أمانة أهديها لكم .... فكانت هذه القطعة من الأرض من نصيب ياسر ( أبي فراس ) كان حينها لم يكد يبلغ الثامنة عشرة من عمره ولكنه كان يعلم أن هذه الأرض هي كنزه والأمانة الكبرى بين يديه ، فعكف على زراعتها بشتى أنواع المحاصيل، وتعهدها بالرعاية وغرس فيها من كل أنواع الشجر ..... الزيتون ، التين ، العنب ، البرتقال ، الجوافة .... . وكان ياسر يعتني بأرضه ويرعاها فقد أخذت منه جزءاً من حياته إذ أنه كان ينام فيها لحمايتها فكانت أغلى عليه من عرضه ومرت الأيام وكبرت الأشجار وأثمرت ، وسنابل القمح التي زرعها امتلأت وأخذت تتمايل كالذهب المرصع بالماس فكان حينما يحين وقت الحصاد يخرج زكاة الزرع فيفيض الله عليه من خير هذه الأرض وتزداد ثمارها وتعم خيراتها , أحب أرضه فأحبته وأخلص لها فأعطته من خيراتها وأفاضت عليه من عطائها , تزوج ياسر بامرأة فاضلة وأنجب منها أربعة أبناء فراس , فادي , فداء ,وكفاح . غرس فيهم حب الوطن والتمسك بأرضه , فكانوا يساعدونه في زراعتها وجني محاصيلها فنمت أشجاره مع أبنائه فكلما كبرت أشجاره كانت تكبر في عينيه سعادة لا حدود لها وكان يكبر حبه لها وكأن الله رزقه بمولود ليعتني به مع أولاده فقد كان يترقبها ويزهو بثمارها كما كان يرقب نمو أبنائه ويزهو بأخلاقهم فقد تعلم أبناؤه من الأرض العطاء والجود وحب الآخرين , ..كان أبو فراس يعيش في بيت متواضع فيه فرن للطابون , ومن للدجاج وحظيرة لبقرته وحماره اللذين كان يستعين بهما لحرث الأرض وتقليمها وتسميدها .. فقد أخذت هذه الأرض مكانا بين عائلته فعندما كان يجلس في أرضه يتأمل الأزهار وقد غدت عروسا في عينيه ورؤية أشجاره وهي تنمو كان يشعر وكأنه في روضة من رياض الجنة ويحمد الله على نعمه , وفي يوم من الأيام ... دق باب بيته ... طرقات عالية وخطى ثقيلة .. فتح الباب فإذا به يرى مجموعة كبيرة من الصهاينة بسلاحهم ,فجاء قائدهم مخاطبه قائلا : أبا فراس , ارحل أنت وعائلتك من هنا .

أبو فراس : ماذا تقول .. أرحل .. كيف ؟! ولماذا ؟!

الصهيوني : نعم .. ارحل فهذا المكان سوف يكون شارعا جديدا لمستوطنتنا الجديدة .

أبو فراس : أنت تهذي ... لن أخرج منها فهذه أرضي ورثة أجدادي لن أتخلى عنها ,ابحث عن شوارع بعيدا عنا .

الجندي : هذه أوامر وسوف تنفذ شئت أم أبيت .

أبو فراس : هذا هراء .. لن تمروا إلا على جثتي فلن أسمح لكم بأخذ أرضي أو بالاقتراب منها .... فاخرجوا ..اخرجوا ..

الجندي : هذا إنذار أخير .. ولا تلم إلا نفسك .

أبو فراس : اذهبوا للجحيم .. لن أترك أرضي .. اذهبوا .. اذهبوا ..

التف الأبناء حول أبيهم .

قال فراس : لا تخف يا والدي فلن يمسوا حبة رمل واحدة من هذه الأرض .

قال فادي : سندافع عنها بأرواحنا .. ونلقنهم درسا .

كفاح : سنحمي أشجار الزيتون بأجسادنا .

فداء : اطمئن يا والدي . فنحن فداء لهذا الوطن .

وراحت الأم تحتضن أبنائها ثم قالت : عشتم يا أبنائي .. فأنتم أمل الغد .

قال والدهم : إنني أستمد قواي منكم يا أبنائي , حماكم الله ورعاكم .

وبعد يومين ..استيقظ أهل البيت على صوت مدافع العدو وهي تدك أرضهم وقد اشتعلت النيران في أشجارها , وصوت الجرافات يهدر كوحش يفترس الثمار يلتهم الأشجار .

نهض أبو فراس من فراشه و خرج .

استوقفه أبناؤه .. إلى أين يا أبي ؟!

قال : سأوقفهم .. ببندقية يا أبي أمام المدفع ؟!

سأقابلهم بجسدي العاري .. وخرج الأب و تبعه أبناؤه وزوجته , وقف أمام الجرافة الكبيرة التي اقتلعت نصف الشجر , فأوقف السائق الجرافة قائلا : ابتعد يا مجنون ماذا تفعل ؟!

أبو فراس : لن أبتعد , فإذا أردت المرور فليكن على جسدي أولا .

السائق : هكذا إذا ... وأدار المحرك , أسرع الأبناء نحو أبيهم ووقفوا إلى جانبه ., بدأ السائق يحرك الجرافة ... ويقترب .. ويقترب .. ولكنهم لم يهتزوا ولم يهربوا وظلوا صامدين ثابتين .

السائق : أجننتم .. ابتعدوا .. ابتعدوا ..

أبو فراس : بل أنت الذي يجب أن تبتعد ، فإذا بترت أشجاري واقتلعتها من أرضي فلن تستطيع أن تقتلعنا ، فلن تقتلوا أشجار الزيتون فينا ، لن تقتلوا أشجار الزيتون ، لن تقتلوا أشجار الزيتون ..... .

ابن البلد.........

احترامي .. أستاذ فالح

مشكوووووووووووووووووووووووور اخى موضوع جميل جدا